القوة مقابل الإكراه : العوامل الخفية خلف السلوك البشري
القوة مقابل الإكراه : العوامل الخفية خلف السلوك البشري
ديفيد هاوكينز
البشر جميعاً لديهم هدف واحد، وقد يكون أحياناً غير مُعلن، وهو محاولة فهم الحياة الإنسانية والقدرة على التأثير فيها. لهذا تمّ إيجاد وتطوير فروع ومجالات عديدة تحليلة ووصفيّة كعلم الأخلاق والفلسفة وعلم النفس وما إلى ذلك.
وبهدف ذلك تم بذل وقت كبير وجهد عظيم وصولاً إلى نقص المعارف والمعلومات وتحليلها، في محاولة لإدراك النزعة الإنسانية وفهمها. ولعلّ أساس هذا البحث المحموم هو الرغبة في إيجاد جواب شافي وكامل للمعضلات الاقتصادية والصحية والسياسية التي يواجهها الإنسان؛ إلّا أنّ أحداً لم يجد "جواباً" مثالياً على كل هذه المسائل والمعضلات. إلّا أنّ المشكلة الحقيقية لا تكمن في نقص المعلومات والمعطيات حول هذه الأمور، فلإنسان، وللأسف، غارق فيها.
ولكن العقبة تكمن في الوسيلة المناسبة لتفسير دلالات تلك المعطيات، بلإضافة إلى أنّ صيغة الأسئلة المطروحة حول تلك المسائل هي صيغة خاطئة؛ لأن الإنسان ليس لديه المقياس المناسب والعقل الواعي لدقة و ترابط اسئلته؛ فلطالما كان مأزق الإنسان الدائم كامن في عدم قدرته لتعريف أفكاره ومعتقداته وبالتالي إساءته لها بقوله أنها الواقع والحقيقة.
في حين أنّ أفكاره تلك ليس سوى فرضيات من نتاج نظرته الازدواجية للموجودات. وأما الإجابات المطروحة فتكون غير مكتملة أو غير مناسبة بسبب محدودية نظرته للوجود. وعليه، فإنّ صيغة السؤال الخاطئة توصل حتماً لأخطاء فادحة في الإجابة عليه كما على جميع التساؤلات والإجابات التي تأتي في ذاك السياق. وعليه فإنّ الإشكالية في ذلك تكمن في طرق تفكيرنا الخاطئة، ومبعث ذلك هو 1- الفشل في التفريق بين ما هو شخصي وما هو موضوعي 2- إهمال المعروف من المبادئ الأساسية 3- جهل طبيعة الوعي بحدّ ذاته 4 – سوء فهم قانون السببية.
من هنا يمكن القول بأن الإنسان هو، والحال هذه، يواجه نقصاً في معرفته عن نفسه، حتى يكون باستطاعته ان يتعلم كيفية رؤية الأبعد من الأسباب الظاهرية (إدراك أبعاد المسائل)، وعليه فإنّه من الضروري جداً تحديد الأبعاد والظروف الكامنة وراء الأسباب الظاهرية، وأن الوصول إلى ذلك مرتبط، وبشكل حتّمي، بوعي الفرد نفسه، إذ لا يمكن إيجاد جواب حاسم لأي مشكلة بمعزل عن تسلسل الأحداث، وإسقاط المفهوم العقلي "السببية" عليها، إذ ليس هناك ما يدعى بلأسباب الحقيقية في العالم المحسوس، المرئي، وهذا ما سيشكل المحور الأساسي في هذه الدراسة، حيث سيبين المؤلف بأن العالم المرئي هو عالم من التأثيرات العاطفية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية أو تلك المدفوعة من قبل الإعلام، أو الانحيازات والميول الشخصية.
من هنا ولفقد الإنسان للأرضية الواقعية وبالتالي فقد المجتمعات لها، وذلك لإجراء حلول فعّالة لما تواجهه من مشكلات، فهي تتقهقر، لتكون هناك عودة لاستخدام الإكراه، ويأتي ذلك الإكراه بما تجسده الحروب والقوانين والتنظيمات والأنظمة الضريبية من إكراه بالنسبة للمجتمعات.
ويكون ذلك بمثابة حلّ باهظ التكاليف بدلاً من الحلّ من خلال الاستثمار من خلال القوة الاقتصادية. إذن؛ فالعقبة الرئيسية في طريق تطور الإنسان تتجلى في نقص معارفه حول نفسه.. حول طبيعة الوعي بحد ذاته؛ لأن بإمكان الوعي اختيار ما يعتبر الأفضل بين الحين والآخر، ويكون ذلك بشكل تلقائي وعفوي.
والمؤلف ومن خلال تتبعه لأثر العوامل الخفيّة الكامنة وراء السلوك البشري يجعل ذلك الفهم متاحاً لكل شخص يريد ذلك، وذلك من خلال دراسته تعتبر صلة وصل بين فيزيولوجيا الوعي ووظائف النظام العصبي وفيزياء الكون، وهذه الصلة بين هذه العناصر الثلاث لا تعدّ أمراً مفاجئاً، وعلى الأخص صلة الوعي والنظام العصبي للإنسان بفيزياء الكون، لأن هذا متاح بعد الوقوف على أسرار الكون وذلك إذا فطن الإنسان أين وكيف يبحث عن ذلك.
فالفرد يشبه القشة في بحر الوعي، لا يعرف موقعه، ولا يعرف من أين أتى أو لماذا أتى. يتسائل البشر عن ذلك اللغز وهم يطرحون ذات الأسئلة منذ قرون، وسيستمرون في ذلك دون تحقيق نقلة نوعية في فهم الوعي وجوهره.
وأخيراً، يرى المؤلف بأن إحدى العلامات التي تدل على الوعي، وبعبارة أخرى، على توسع البصيرة والفهم العميق، هو الشعور الداخلي بالراحة، والفرحة والبهجة، في أعماق النفس الإنسانية، إذ أن كل من مرّ بمثل هذه التجربة، شعر أن الكون بعد كل هذا قد وهبه هدية قيّمة، فالحقائق إمّا نتحصل ببذل الجهود، في حين أن الحقيقة تكشف عن نفسها بسهولة بحضور الوعي وبالتالي استحالة ذلك بغيابه.
عن الكتاب :
الغلاف :كرتون عادي
دار الخيال للنشر
قوة -هاكوينز